
المراصد / متابعة :
ركّز تقرير لمعهد “المجلس الأطلسي” الأميركي، على الانقسامات والخلافات داخل الإطار التنسيقي في العراق، المكون من أغلب الكتل الشيعية، والتي ستكون العامل الأهم في الانتخابات العراقية المقبلة، مبيّناً أن التحوّل في ديناميكيات السلطة داخل قوى الإطار، هي التي ستحدد الاتجاهات السياسية في البلد من خلال الحكومة الجديدة طوال 4 سنوات.
واعتبر المعهد الأميركي، في تقريره أن انتخابات 11 تشرين الثاني/نوفمبر تشهد عودة قانون الانتخابات إلى النموذج السابق الذي يميل لمصحلة الأحزاب الكبيرة، كما أنها تشهد مقاطعة رجل الدين “الزئبقي”، كما وصفه التقرير، زعيم التيار الوطني الشيعي مقتدى الصدر، فيما لا تبدو آمال المرشحين المستقلين مشرقة.
إلا أن المعهد يشير إلى أن هناك عناصر ثابتة من الانتخابات الماضية في العام 2021، حيث أن الانتخابات تُنظم على أسس عرقية – طائفية، وخصوصاً الشيعة والسنة والكورد، إلا أن الأكثر أهمية بينها انتخاب المرشحين الشيعة.
ولفت التقرير، إلى أن مقاطعة الصدر للانتخابات، ستجعل من القوة الشيعية التي تمثل الأغلبية، أي قوى “الإطار التنسيقي”، التي تحتكر الأصوات الشيعية، بعدما كانت تكتلت في العام 2021 لمواجهة القوة السياسة الصاعدة للصدر، وهي قوى تتمتع بدرجات مختلفة من الارتباط بإيران.
وبحسب التقرير، فإنه من خلال مساعدة طهران ودعمها، حافظ الإطار التنسيقي على تماسكه كممثل وحيد للشيعة على الرغم من خلافاته الداخلية، وهو ما يمثل صورة متناقضة مع الانقسام الفصائلي وفوضى الأحزاب السنية.
ومع ذلك، اعتبر أن التنافس السياسي والمصالح المتعارضة، أثار شقوقاً كبيرة داخل الإطار التنسيقي، وهي انقسامات تشكل تهديدات لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني ومحاولته للحفاظ على السلطة.
ولفت التقرير، إلى أن سياسيي الشيعة يصفون الانتخابات بأنها حاسمة ومهمة، وهو ما يفعلونه دائماً خلال كل موسم انتخابي.
وأشار التقرير إلى أن هذه الانتخابات قد لا تكون مصيرية بالضرورة، إلا أنه أكد أنها مهمة، في ظل موجات التغيير المتصاعدة في كل أنحاء المنطقة، مع الحاجة إلى أن يقرر العراق أين يتموضع في المشهد الجديد الآخذ بالتشكل.
وبحسب التقرير، فإن الأحزاب السياسية الشيعية، بشكل خاص، تشعر بالقلق من لامبالاة الناخبين الشيعة وحجم الإقبال، حيث يذكّر التقرير بأنه خلال انتخابات العام 2021، كان الإقبال الرسمي 40% على المستوى الوطني، ولكنه كان أقل في المحافظات الوسطى والجنوبية.
وتابع: “بينما تدعو العديد من الأصوات الشعبية إلى مقاطعة الانتخابات للتعبير عن عدم موافقتها على نظام سياسي لا ينتج عنه أي تغيير في الوجوه أو الممارسات السياسية، إلا أن المتفائلين يعتبرون أن مقاطعة الانتخابات لن تساهم سوى في ضمان استمرار الوضع الراهن”.
كما أشار إلى أن التغيير، مهما كان بطيئاً، فلا يمكن أن يأتي إلا من خلال التصويت لمرشحين أفضل.
ورأى التقرير، أن الصدر يُعتبر من أبرز من يمثل المعسكر الرافض حيث أنه ندد مراراً بالمؤسسة السياسية باعتبارها فاسدة وغير قابلة للإصلاح.
إلا أن التقرير أشار إلى أنه بينما منع الصدر أنصاره من الترشح، إلا أنه من غير الواضح ما إذا كان الصدر قد حظر التصويت أيضاً، مضيفاً ان التقديرات تشير إلى أن الصدر بإمكانه توجيه مئات الآلاف من الأصوات، ولهذا فأنه في حال ذهب الصدريون للتصويت في صناديق الاقتراع، فسيكون بمقدورهم تغيير وجهة الانتخابات في بغداد ومدن الجنوب.
وبحسب التقرير، فإن هناك معلومات غير مؤكدة تفيد بأن القادة الشيعة الآخرين حاولوا استقطاب الصدر، في محاولة للحصول على أصوات أنصاره، إلا أنه لا يوجد ما يشير إلى أن هذه المحاولات كانت مثمرة.
تشقّقات “الإطار التنسيقي”
وذكر التقرير أن هناك العديد من الخلافات داخل الإطار التنسيقي، بما يؤثر على الانتخابات، بما في ذلك حول سياسة الحكومة تجاه سوريا، والولاء لإيران، والقانون المحبط المتعلّق بالحشد الشعبي والذي عارضته الولايات المتحدة، بالإضافة إلى المصالح الاقتصادية المتنافسة للفصائل الشيعية.
وإلى جانب الفصائل الثلاثة داخل الإطار التنسيقي والتي تنتمي إلى الحشد الشعبي، والتي صُنفت “إرهابية” من جانب الولايات المتحدة، اعتبر التقرير أن التصدّع الرئيسي داخل الإطار هو التنافس السياسي بين رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وبين رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، حيث لم يخفِ أي منهما طموحه في زعامة الحكومة فيما بعد الانتخابات.
وقال التقرير، إنه بينما ركزت الحملات على المنافسة بين مختلف الفصائل الشيعية، إلا أن السوداني والمالكي يمثلان القطبين المتنافسين، مضيفاً انه من المتوقع أن يفوز السوداني بأغلبية المقاعد الشيعية في مجلس النواب.
ولفت التقرير، إلى أن المالكي وائتلاف دولة القانون الذي يقوده، حاولا تقويض سعي السوداني لتولي رئاسة الحكومة، سواء بشكل ضمني أو علني، بما في ذلك من خلال انتقاد استخدام الموارد الحكومية في الحملة الانتخابية، والحالة السيئة للخدمات بعد ثلاث سنوات من الحكومة الحالية، وعلاقات السوداني مع النظام السني الجديد في سوريا، والعلاقات الدافئة بين رئيس الوزراء والدول العربية الأخرى، التي ينظر إليها الأعضاء المؤثرون في الإطار التنسيقي على أنها معادية لسيطرة الشيعة في العراق، إلى جانب انتقادات لعلاقة السوداني التصالحية مع حكومة إقليم كوردستان.
وتابع التقرير، أنه كمؤشر على تصاعد حظوظ السوداني، فأن العديد من المرشحين البارزين الذين ترشحوا سابقاً مع تحالف المالكي، انتقلوا إلى قائمة “الإعمار والتنمية” التي يقودها السوداني.
“الخوف الشيعي”
وقال التقرير إن التطورات الإقليمية ساهمت أيضاً في صياغة حملة الأحزاب الشيعية التي هزها تراجع القدرات العسكرية والمالية لإيران، وحملة التدمير العسكرية الإسرائيلية لحزب الله في لبنان ولحركة حماس في غزة، وصعود النظام السني في سوريا.
وبحسب التقرير فإن القوى الشيعية في العراق تخشى خسارة البيئة الحامية لها ومن أن الحكم الشيعي في العراق، صار مهدداً، بينما ساهم الضغط الأميركي من خلال العقوبات على فصائل الحشد الشعبي، في رفع مستوى القلق.
ولهذا السبب، يرى التقرير أنه بالإضافة إلى التنافس الداخلي في الإطار التنسيقي، فإن الأحزاب السياسية الشيعية حساسة بشكل خاص إزاء استمرار هيمنتها على الدولة.
وتابع قائلاً، أن انخفاض أعداد التصويت بين دوائرهم الانتخابية في وسط وجنوب العراق، مقابل إقبال سني مرتفع، يمكن أن يؤدي، كما يخشون، إلى مقاعد سنية كبيرة “بشكل غير طبيعي” في مجلس النواب وزيادة النفوذ، وهو احتمال خطير بشكل خاص في بغداد المتنوعة دينياً ولها 69 مقعداً في مجلس النواب.
“الجائزة”
واعتبر التقرير، أن “الجائزة الكبرى بعد الانتخابات هي قيادة الحكومة”، مضيفاً أنه لطالما كان اختيار رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة عملية محفوفة ومطولة، مذكراً بأنه بعد انتخابات 2021، احتاج مجلس النواب إلى عام، لتعيين السوداني رئيساً للوزراء.
وبينما لفت التقرير إلى أن السوداني يسعى إلى الحصول على ولاية ثانية، إلا أنه قال إن آخرين في الإطار التنسيقي يريدون الإطاحة به، وأبرزهم المالكي وبعض فصائل الحشد الشعبي.
ومع ذلك، أشار التقرير إلى أنه من المتوقع أن تبلي القائمة الانتخابية للسوداني بلاءً جيداً في الانتخابات، حيث يتوقع أنصاره حصول قائمة السوداني على 70 مقعداً.
إلا أن التقرير ذكّر بأنه حتى في ظل مثل هذا الفوز الكبير، فأن ذلك لا يضمن للسوداني ولاية ثانية، مضيفاً أنه يتحتم على المرشح لتولي الحكومة، أن يحصل على دعم الأغلبية داخل الإطار التنسيقي وأن يكون مستعداً لتقديم تنازلات ووعود لحماية مصالح أعضائه.
وفي المقابل، قال التقرير إن الإطار التنسيقي بحاجة إلى اختيار مرشح لن يجلب عليهم غضب العقوبات الأميركية أو التهديدات العسكرية، كما جرى خلال الولاية الاولى لدونالد ترمب.
وأضاف انه إذا ظل بيئة إقليمية متقلبة وسريعة التطوّر، سيواجه الإطار التنسيقي تحدياً كبيراً بعد الانتخابات، وأنه مهما كانت نتيجة الانتخابات، فأن مرشحاً مفاجئاً قد يظهر.
وختم التقرير بالقول، إن الانتخابات المقبلة لن تحدد بالضرورة من سيكون رئيس الوزراء الجديد، إلا أنها ستكون بمثابة فرصة لتحولات ديناميات السلطة داخل الكتلة الشيعية المنقسمة.
وتابع قائلاً، إن الانتخابات ستكون مؤشراً مهماً على القوة النسبية لكل طرف من القوى الشيعية التي تشكل الإطار التنسيقي والنفوذ الذي يمكن لكل منها أن تمارسه في صناعة القرار مستقبلاً.
وخلص “المجلس الأطلسي” إلى القول، إنه بالنظر إلى أن الشيعة سيواصلون صياغة السياسة والسيطرة على صنع القرار، فإن كيفية تحويل هذه الانتخابات دينامكيات السلطة داخل الإطار التنسيقي ستكون مؤشراً جيداً للدلالة على الاتجاهات السياسية في العراق خلال فترة الحكومة الجديدة طوال السنوات الأربع المقبلة.