
متابعة – المراصد:
شهدت بعض أكبر أسواق السندات العالمية خلال تشرين الأول تراجعاً ملحوظاً في العوائد، مع انحسار المخاوف بشأن الاقتراض الحكومي الضخم وثبات معدلات التضخم، ما أعاد الزخم إلى أسواق الدين في بريطانيا وألمانيا واليابان.
وجاءت السندات الحكومية البريطانية، التي كانت من أكثر المتضررين بالمخاوف المالية في وقت سابق من العام، في طليعة التعافي؛ إذ انخفضت تكاليف الاقتراض لآجال عشر وثلاثين سنة بنحو 30 نقطة أساس لكل منهما، مسجّلة أكبر انخفاض شهري منذ أواخر 2023، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها.
كما اتجهت عوائد السندات الألمانية، وحتى الفرنسية التي تأثرت بالأزمات السياسية والاقتصادية، نحو تسجيل أكبر تراجع شهري منذ نيسان الماضي، حينما ضغطت اضطرابات التعريفات الجمركية الأميركية على ديون الملاذ الآمن. وفي اليابان، انخفضت عوائد السندات لأجل 30 عاماً بنحو 10 نقاط أساس، في أكبر تراجع شهري منذ أواخر 2023، مع تراجع المخاوف المالية المرتبطة بتولي رئيسة الوزراء الجديدة ساناي تاكايتشي، وفقاً لوكالة «رويترز».
ورغم هذا التحسّن، لا تزال مستويات الدين العام المرتفعة تمثل مصدر حذر للمستثمرين؛ إذ شهدت بعض الأسواق ارتداداً طفيفاً في العوائد عن أدنى مستوياتها خلال الأشهر الأخيرة، في ظل بوادر تهدئة التوترات التجارية التي كانت تدعم الطلب على السندات.
وقال مايك ريدل، مدير المحافظ الرئيس لاستراتيجيات السندات في «فيديليتي إنترناشونال»، إن «الأسواق فوجئت بثبات التضخم عند مستويات أدنى من المتوقع قبل شهرين، ما ساهم في انخفاض عوائد السندات». وأضاف أن تراجع التضخم في بريطانيا والولايات المتحدة عزز التوقعات بإمكانية خفض بنك إنجلترا لأسعار الفائدة خلال الفترة المقبلة.
ومن المتوقّع أن تُنهي عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل عشر سنوات شهر تشرين الأول بانخفاض للشهر الثالث على التوالي. وذكرت إيفلين غوميز – ليشتي، الاستراتيجية في «ميزوهو»، أن ضعف سوق العمل وتوجه وزيرة المالية البريطانية راشيل ريفز نحو توسيع هامش الموازنة وزيادة الضرائب خلقا «مزيجاً مثالياً» يدعم السندات الحكومية.
وأشارت إلى أن تقليص إصدار السندات طويلة الأجل من قبل وزارة المالية البريطانية، وقرار بنك إنجلترا بتقصير آجال بيع السندات، ساهما في تخفيف الضغوط على السوق. في حين أكد ريدل أن السندات الحكومية لا تزال أداة مفضلة للمستثمرين، لكنه قلّص رهاناته الصعودية بعد المكاسب القوية الأخيرة.
وفي اليابان، أسهم تعيين وزير المالية الجديد ساتسوكي كاتاياما في تهدئة المخاوف المتعلقة بالإصدارات طويلة الأجل. كما ساعد الطلب القوي في مزاد السندات لأجل عامين على استقرار السوق بعد سلسلة من المبيعات الضعيفة، رغم بقاء العوائد طويلة الأجل مرتفعة بنحو 80 نقطة أساس منذ مطلع العام.
ورغم هذا الانتعاش، حذر محللون من استمرار المخاطر. فقد ارتفعت عوائد السندات الأميركية مجدداً بعد تصريحات رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول التي قلصت توقعات خفض أسعار الفائدة في كانون الأول، عقب تخفيضين سابقين هذا العام. كما يواجه الاقتصاد الفرنسي اضطرابات سياسية مع تهديد الاشتراكيين بإسقاط الحكومة في حال عدم تلبية شروط موازنتهم، بينما تمثل موازنة بريطانيا المرتقبة في 26 تشرين الثاني اختباراً محورياً لوزيرة المالية ريفز.
ويتوقع أيضاً أن يواصل الاقتراض الألماني ارتفاعه مع توسيع برامج التحفيز المالي، في حين سيؤدي إصلاح نظام التقاعد الهولندي إلى تقليص الطلب على السندات طويلة الأجل، مما يزيد الضغط على ديون أوروبا.
وقال روس هاتشيسون، رئيس استراتيجية سوق منطقة اليورو في مجموعة «زيورخ للتأمين»، إن السندات ما زالت جذابة، لكن المخاطر قائمة، موضحاً أن «الطلب الهيكلي تراجع، بينما تبقى تعويضات مخاطر التضخم محدودة»، مضيفاً أن المستثمرين «يحتاجون إلى فترة طويلة من استقرار العائدات قبل زيادة مخصصاتهم، خصوصاً في الأوراق المالية طويلة الأجل».