
يعود تاريخ دخولي إلى فيسبوك إلى عهد إنسان الكهف، منذ سنة 2008 وإلى الآن وأنا مدفون في هذا الموقع. وبطبيعة العقل البشري يشعر بالراحة مع المألوف حتى وإن كان لا يلبي الطموح. تعرَّفت على الكثير وكتبت الكثير، كتبت عن الحب، عن الاحتجاج، عن الحرية. قرأت تعليقاتٍ لا يزال طعمها الجميل في رأسي. وإلى الآن لا أزال وفيًّا لهذا الموقع، لم أنشر أي صورة تُسيء لأحد أو مقطع فيديو. تعرَّفت على الكثير وأصبحوا أصدقاء في الواقع. هذا التكيف يذكرني بإدمان مطعم معين أو مقهى، يتحول هذا المطعم إلى ولاء بديل لا يقل أهميةً عن الولاء للوطن.
دعونا نترك فيسبوك أعزائي القراء ونذهب إلى فرانتز فانون في كتابه”معذبو الأرض”، يتحفنا هذا الكاتب بمقولة جميلة:
“ليس المثقف من يعيش في الكتب، بل من ينحاز للناس، ويحمل آلامهم في قلبه وصوته.”
هذه المقولة تذكرتها وأنا في محل طباعة الملصقات في شارع المتنبي،وأنا أقوم بطباعة لوحة معدنية لأحد أماكن عملي مكتوب فيها اسم المكان. وبينما أجلس
إلى جنب صاحب المحل، وجدت الكثير من الزبائن يشترون شهادات تقديرية لمثقفين أوفنانين وإعلاميين وكتّاب، شهادات لا تساوي ثمنَ صنعها، مجرد بروتوكولات اعتدنا على ممارستها أحيانًا مجاملةً، وأحيانًا أخرى شكلاً لتكملة ندوة أو أمسية شعرية أوثقافية، نشاطات لتثقيف المثقف! أمسيات نخبوية لا أثر لها في المجتمع، كما يقول المثل الشعبي: “منة وبي بارك الله بي”.
لنترك شارع المتنبي وشهادات التقدير التي تُوزَّع مثل القبلات في المناسبات الاجتماعية بين الأقارب للذي يستحق الحب ومن لا يستحق، وأعود مرة أخرى لمواقع التواصل الاجتماعي. لفت انتباهي موقع “التيك توك”، كنت أسمع أنه موقع يجمع من لهم محتوى هابط، وعندما تسأل أحد الأشخاص يستنكر أنه يتابع التيك توك وكأنه سُبَّة أو منقصة! وبطبيعتي لا أُصدِّق ما أسمع. قبل أشهر من كتابة هذا المنشور،أنشأت حسابًا هناك وبحثت عن أسماء ثقافية. ومن خلال الخوارزميات، بدأت أستمع للكثير من الأسماء. طبعًا لا ننكر وجود محتويات هابطة لا تستحق الذكر، وهناك شتائم في التعليقات، لكن… وماذا بعد تلك “لكن”؟
بالنسبة لي، أعتبر الأمر تحديًا. قمت بعمل مقاطع لا تتجاوز الثلاث دقائق بلغة مبسطة مع جانب علمي، أتناول مواضيع اجتماعية ونفسية بلغةٍ يفهمها الجميع. في الأسبوع ثلاثة مقاطع، أختار الموضوع بعناية وأدقق وأصور من أجل الجذب بدأ التفاعل يزداد، الجمهور متنوع لكن الأغلب من أعمارٍ تحت العشرين. تعليقات تحترمني شخصيًا وتحترم المحتوى، تفاعل في ازدياد، تعليقات محترمة من شباب، رسائل تدعوني إلى أن أستمر. بعض المقاطع تصل مشاهداتها إلى أكثر من مئة ألف مشاهد، متابعون بعشرات الآلاف، وإعجابات تصل إلى مئة ألف. القصة أصبحت بالنسبة لي مسؤولية لا يمكن تركها.
بالعودة إلى مفكرنا فرانتز فانون مرة أخرى، وحديثه عن الانحياز للناس وآلامهم، ألمجتمع أشبه بإناء يملؤه المثقفون أو يملؤه التافهون. الإناء لا بد أن يمتلئ، إما بالمحتوى الهابط وبشهادات تقديرية لا تساوي ثمنَ طباعتها، أو يمتلئ بمواضيع ثقافية وعلمية وبالأنحياز الى الآم الناس، وهو واجب المثقف، بالضبط مثل مقولة المفكر فرانتز فانون في كتابه معذبو الارض.
 
															 
		 
		 
		 
		 
		 
		 
		