
كانت مفاجأة بالنسبة لي أن يقرر المشاركة في دورات التنمية البشرية مقابل دفع رسوم ، وبحكم صداقتي الطويلة معه ضحكت وقلت له ممازحا : هاي شنو حتى انت ؟ عندها ظهرت علامات الاستياء على وجهه ، تداركت الامر وغيرت الحديث ،بعد فترة عاودت سؤاله بطريقة اكثر جدية فقلت له : ما هي الدروس التي اخذتها ؟ ، بدى على وجهه تغيّرًا ملحوظًا، كما لو أن سحب الغيوم قد انحسرت عنه، وأشرقت شمس الفرح على محياه ، بدا يعدد الدروس التي اخها في الدورة : عيش الجنة على الارض ، اختيار وجذب الشريك ، مدمن نجاح .
عندما غادر صديقي، شعرت بالفراغ والحاجة لملء ذلك الفراغ بشيء إيجابي. ، لم أتردد في التوجه إلى هاتفي والبحث عن مقاطع فيديو تتعلق بمواضيع التنمية البشرية. واثناء بحثي ظهر مقطع تظهر فيه قاعة فيها الكثير من النساء يصرخن بصوت عالي : انا احفز نفسي بنفسي ومستمرات بترديد تلك العبارة ، فهمت عندها بان المدرب يحفزهن على الايجابية ، أثار هذا المقطع تساؤلات في راسي : هل يمكن ان يحفز الانسان بمجرد الصراخ ، تساؤلات خلفها الكثير من الكلام .
لم يقنعني هذا التحفيز لا اؤمن بان الانسان كائن يمكن التحكم بمشاعره ،القلق والملل والرغبات والمخاوف وتلك التفاصيل التي تجعلنا بشر لا يمكن ضبطها ، مهما كان الانسان واثق مما يعرفه لا يمكن ان يغير مزاجه وسلوكه بضغطة، هناك ايضا الغربة والنقص وازمة مراحل العمر وقرب الموت كلها تؤثر على تقلبات سلوكنا و حياتنا ومسيرتنا وسعادتنا .
البحث بالأمور التي تخرجنا من دائرة راحتنا كالمرض والمفارقات والمعضلات هذه كلها جوانب من الحياة نمر بها جميعا يصعب على التحفيز على الايجابية من ان يحتويها .
الانسان كائن ذو اسس هشة يسقط في ابسط الاختبارات ومن يريدون تجنب مواجهة الحياة شأنها شأن المسكنات من الالم ، الانسان عبارة عن تركيب معقد من التناقضات ، النفس البشرية نتاج صراع داخلي بين البيئة وما بداخله كيف يمكن لمحاضرة في التنمية البشرية ان تصلح البشر ، الضعف والخوف جزء من تركيبتنا البشرية ، هناك جانب مظلم في النفس البشرية قلة من الناس تجرؤ الخوض فيه ، هذا لا يعني الاستسلام لكنه يعني الحقيقة .
نسمع بأن الصبر والتحمل مهمان ، وانك ان لم تستطيع ان تتمكن من عالمك الخارجي لذى عليك ان تتمكن من عالمك الداخلي ، عليك ان تتعلم ان تسيطر على مشاعرك ، عليك ان تتدرب للوقوف امام اشد المصائب بانضباط نفسي علي ، لكن لا احد يريد ان يعترف لان الضعف امر طبيعي في البشر .
الحياة متقلبة ما بين الحزن والسعادة و بين الالم والراحة فاذا كنت لا تحزن لمصيبة حلت بك بداعي انك تدربت على كبت مشاعرك فبالتأكيد لن تشعر بالسعادة عندما يأتيك الخير والفرح . اذا تعودت على عدم الشعور بالألم بداعي تخفيف المعاناة يجعلك عديم الشعور باي شيء اخر وستقف عاجزاً عندما يتطلب منك الموقف ان تتصرف ، لأنك ستفضل التحمل على العمل ، هذه هي حقيقة الانسان .
الالم حتمي لكن المعاناة اختيارية ونحن نخلط بينهما ، نحاول ان نجعل انفسنا سعداء بقوانين حسابية وننسى اننا عبارة عن اعصاب ودم وانفعالات وجينات ، كلها تلعب دور بجعلنا تعساء وتلعب دور بجعلنا سعداء ، نحن قادرين بلحظة ان نعيش احلى الأوقات وبلحظة نكون تعساء، نصنع لحياتنا معنى من الالم ، من قبلة ابنائنا ، من استماع لأغنية او من خلال عمل نقوم به يسعد الاخرين ، نكون سعداء عندما نكون اوفياء للأخرين ، السعادة لن تأتي بالمشاركة في دورات التنمية البشرية مقابل دفع رسوم ولا بالصراخ : انا احفز نفسي بنفسي