(( متعة تحضير حقيبة السفر))
واحدة من المتع الغريبة التي أحب الاستمتاع بها هي متعة تحضير حقيبة السفر. ولأني أنتمي لفصيلة الكائنات الجادة الذين يعتقدون أن للحياة طريق واحد يبدأ من حقيبة سفر منظمة وأربع قمصان وكيس خزعبلات أضع فيه ما بين أعواد تنظيف الأذن وخيط تنظيف الأسنان. مشبك كهربائي متنوع يصلح لكل المأخذ الكهربائية،وبما أن أكثر ما يميز الإنسان عن باقي المخلوقات هو قدرته على التوقع، لذلك كنت أتوقع أن سفرتي إلى الموصل ستكون جميلة مثل جمال روح أصدقائي هناك.
أربعة أيام حاولت فيها أن أخرج من بيت الحلزونة الذي صنعته لنفسي، ولكن خرجت من تلك الحلزونة لأدخل بيت حلزونة يصنعها لي أصدقائي الدكتور هجران الصالحي والاستاذ عبد الكريم سليم والاستاذ محمد حليم، أربعة أيام نحاول كلنا أن نمد جسر بين أيام نزوح أهالي الموصل إلى بغداد وبين الأيام التي قضيتها معًا. ننتقل من الجانب الأيمن إلى الجانب الأيسر وما بين مناطق وأحياء الموصل. لم يكن لدي وقت احك رأسي ، نضحك ونأكل ونتناقش وأستمع لكلماتهم الموصلية. شعرت بمقدار رقة شعورهم تجاهي ودائما مرهفي الإحساس يسهل عليهم التخفيف عن الآخرين.
كان المقرر أن أبقى ثلاثة أيام وشعرت بأن جرعة الاستمتاع لا تكفي فقررت أن أبقى يومًا آخر. المتعة اشبه بجرعة نحقن بها أرواحنا عندما نشعر بالحزن على كل شيء، من قضاء الحمدانية حيث تسكنها غالبية سريانية إلى قضاء بعشيقة وبحزاني الخليط من الإيزيديين والمسيحيين. العم رزكي وعائلته الجميلة، صديقي حكمت وحسن ضيافته، الشعور بأن هناك آخر يشبهك في الحب والإنسانية.
طول الوقت وأنا أبحث عن طريقة لتوقف الزمن، توقف اللحظة هي مأساتنا نحن البشر، مأساتنا عدم قدرتنا توقيف الزمن عندما يكون الزمن جميل.
كانت الأيام تمر كأنما عرض مسرحي فني رشيق بلا تشعبات وبدون منغصات خصوصًا والمدينة مختلفة عما كانت سابقا، ومن لم يمر في الموصل لم يمر في العراق. شيء مختلف من الجمال والنظافة والبشر المتحضرين. لست بصدد إعلان تجاري لمدينة لكن تلك هي الحقيقة. أعود معكم مرة أخرى إلى جمال اللحظة والجمال يوقظ التعاطف ويثير الإعجاب والسرور. الفكرة كلها حول صناعة جمال اللحظة التي لدينا القدرة على صناعتها، يبقى الباب موصدا في وجه الإنسان من دون جمال طالما لا يعرف كيف يختار الآخرين. يبقى موصداً طالما لا يعرف كيفية الاستمتاع بتحضير حقيبة السفر .

كل التفاعلات:
١٠٣Iman Fattah، ووداد حمادي و١٠١ شخص آخر